في السنوات الأخيرة ازداد الاهتمام بالزراعة العضوية بشكل ملحوظ، فأصبح الناس أكثر وعياً بتأثير ممارسات الزراعة التقليدية على البيئة والصحة. إذ تشمل الزراعة العضوية إنتاج المحاصيل وتربية الماشية باستخدام الطرق الطبيعية، دون استخدام المواد الكيميائية الاصطناعية أو الكائنات المعدلة وراثياً (GMOs). تستكشف هذه المقالة خمس طرق مختلفة للزراعة العضوية التي تكتسب شعبية في جميع أنحاء العالم.
تعد الزراعة المتعددة، والمعروفة أيضاً باسم الزراعة المختلطة، واحدة من أكثر أنواع الزراعة العضوية شيوعاً. وفي هذه الطريقة، يزرع المزارعون مجموعة متنوعة من المحاصيل في نفس الحقل. ومن خلال زراعة محاصيل مختلفة معاً، يتم إنشاء نظام بيئي طبيعي يعزز التنوع البيولوجي، ويقلل من مخاطر الآفات والأمراض، ويزيد من استخدام الموارد المتاحة. على سبيل المثال، يمكن لبعض النباتات تثبيت النيتروجين في التربة، بينما يقوم البعض الآخر بصدّ الآفات أو جذب الحشرات المفيدة. لا يُنتج هذا النهج مجموعة متنوعة من المنتجات الغذائية العضوية فحسب، بل يعزز أيضاً الاستدامة الشاملة للنظام الزراعي.
تناوب المحاصيل وسيلة أخرى فعّالة للزراعة العضوية. إذ ينطوي على زراعة محاصيل مختلفة في تسلسل محدد على نفس قطعة الأرض بمرور الوقت. تساعد هذه الممارسة في كسر دورات الآفات والأمراض لأن الآفات الخاصة بمحصول واحد قد لا تعيش أو تتكاثر عند زراعة محصول مختلف. يساعد تناوب المحاصيل أيضاً على تحسين خصوبة التربة من خلال تناوب المحاصيل مع متطلبات المغذيات المختلفة، مما يمنع استنفاد هذه المغذيات. على سبيل المثال، يمكن زراعة البقوليات مثل الفول أو العدس بالتناوب مع الحبوب لتثبيت النيتروجين في التربة بشكل طبيعي. لا تقلل هذه الطريقة من الحاجة إلى الأسمدة الاصطناعية فحسب، بل تعزز أيضاً عملية الزراعة العضوية.
الحراجة الزراعية أو زراعة الأحراج طريقة تجمع بين زراعة الأشجار مع المحاصيل أو الماشية. يحاكي هذا النهج الغابات الطبيعية ويوفر فوائد متعددة. توفر الأشجار الظل ومصدات الرياح والحماية من عوامل التعرية، بينما تثري أوراقها المتساقطة التربة بالمواد العضوية. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي التفاعل بين الأشجار والمحاصيل إلى خلق مناخ محلي مناسب لكليهما، وتحسين استخدام الموارد وزيادة الإنتاجية الإجمالية. كما يمكن تصميم أنظمة الحراجة الزراعية لاستيعاب مجموعات مختلفة من الأشجار والشجيرات والمحاصيل، مما يؤدي إلى ممارسات الزراعة العضوية المستدامة المتنوعة بيئياً والمجدية اقتصادياً.
السماد الدودي أو سماد الديدان تقنية تستخدم ديدان الأرض لتحليل النفايات العضوية، مثل بقايا المطبخ ومخلفات المحاصيل، إلى سماد غني بالمغذيات. تتضمّن العملية إنشاء بيئات محكومة حيث يمكن لديدان الأرض أن تستهلك المادة العضوية وهضمها وإفراز مصبوبات غنية بالمغذيات. تعرف هذه المصبوبات أيضاً باسم السماد الدودي، وهو سماد طبيعي قيّم يمكن استخدامه لإثراء التربة في أنظمة الزراعة العضوية. لا تقلل عملية التسميد الدودي من النفايات والحاجة إلى الأسمدة الاصطناعية فحسب، بل تعزز أيضاً بنية التربة والنشاط الميكروبي، مما يؤدي إلى نباتات معافاة وأكثر صحّة ومرونة.
الأكوابونيك طريقة فريدة تجمع بين تربية الأحياء المائية (تربية الأسماك) والزراعة المائية (زراعة النباتات بدون تربة). في هذا النظام، تربّى الأسماك في أحواض، ويتم توزيع المياه من أحواض الأسماك، التي تحتوي على فضلات الأسماك، لتنمية أحواض تزرع فيها النباتات. وتقوم النباتات بدورها بتصفية المياه عن طريق امتصاص العناصر الغذائية من فضلات الأسماك، ويعاد الماء النظيف إلى أحواض الأسماك. هذه العلاقة التكافلية بين الأسماك والنباتات تخلق نظاماً مغلقاً يتطلب الحد الأدنى من المياه ويلغي الحاجة إلى الأسمدة الاصطناعية أو مبيدات الآفات. وتعتبر الأكوابونيك طريقة عالية الكفاءة ومستدامة للزراعة العضوية التي يمكن أن تنتج مجموعة متنوعة من منتجات الأطعمة العضوية.
لا تساعد هذه الأساليب في الحفاظ على صحّة التربة والمياه والنظم البيئية فحسب، بل وفي إنتاج منتجات غذائية عضوية عالية الجودة أيضاً. ومن خلال تبني الزراعة العضوية، يمكننا دعم مستقبل أكثر استدامة مع الاستمتاع بفوائد الطعام الصحّي والمغذّي.
بالإضافة إلى الأنواع الخمسة للزراعة العضوية المذكورة أعلاه، هناك العديد من الأساليب المبتكرة الأخرى التي تساهم في استدامة الزراعة العضوية ونجاحها. دعونا نستكشف طريقتين أخريين تكتسب زخماً كبيراً في هذا المجال.
الزراعة الدائمة نظام تصميم شامل يسعى إلى إنشاء أنظمة بيئية ذاتية الاستدامة ومتجددة. إذ يدمج الزراعة والبستنة والمبادئ البيئية لإنشاء مناظر طبيعية منتجة ومتجددة. في الزراعة الدائمة، ينصبّ التركيز على مراقبة وفهم الأنماط الطبيعية واستخدامها لإنشاء أنظمة غذائية منتجة ومتنوعة. ومن خلال محاكاة النظم البيئية الطبيعية، تعمل تصاميم الزراعة المستدامة على تحسين استخدام الموارد وتقليل النفايات وتعزيز التنوع البيولوجي. تشجع هذه الطريقة على استخدام تقنيات الزراعة العضوية مثل الزراعة المصاحبة والتغطية والتجليل والسيطرة الطبيعية على الآفات لإنشاء أنظمة زراعية قادرة على الصمود وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
تنقل الزراعة
الديناميكية الحيوية الزراعة العضوية إلى مستوى جديد تماماً من خلال دمج المبادئ
الروحية والأخلاقية والبيئية. إذ ينظر إلى
المزرعة على أنها كائن حيّ ليتم التأكيد على الترابط بين جميع العناصر في
المزرعة. كما يتبع
المزارعون الحيويون مجموعة محددة من المبادئ والممارسات التي حددها رودولف شتاينر،
والتي تشمل استخدام المستحضرات
الحيوية مثل البخاخات العشبية ومستحضرات السماد لتعزيز خصوبة التربة وصحة النبات. تؤكد هذه الطريقة أيضاً على العمل بانسجام مع الدورات السماوية والقمرية لتحسين الزراعة والحصاد والأنشطة الزراعية الأخرى. لا تركز الزراعة الحيوية على عملية الزراعة العضوية فحسب، بل تركز أيضاً على إنشاء نظام مزرعة بيئي متناغم ومتوازن.
تحرز العديد من الدول في الشرق الأوسط تقدماً كبيراً في
مجال الزراعة العضوية. فقد أظهر تقرير حكومي صدر مؤخراً عن دولة الإمارات العربية
المتحدة أن هناك أكثر من 40 مزرعة عضوية في الإمارات وحدها، كما تعدّ المملكة
العربية السعودية موطناً لأكبر مزرعة مستدامة في العالم، والتي تم الاعتراف بها من
قبل موسوعة غينيس للأرقام القياسية. تستخدم هذه المزارع أساليب الزراعة العضوية
بما في ذلك تربية الأحياء المائية لتوفير منتجات عضوية عالية الجودة ومزروعة محليّاً
لتلبّي احتياجات دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي الأوسع.
تظهر هذه الطرق الإضافية تنوع ممارسات الزراعة العضوية وقدرتها على التكيّف. تقدّم كل طريقة فوائد فريدة، لكنها جميعاً تشترك في هدف واحد ألا وهو إنتاج أطعمة مغذية ومستدامة بيئياً. ومن خلال اعتماد هذه الأساليب، يمكن للمزارعين تقليل استخدام المدخلات الاصطناعية وتقليل الآثار البيئية وتحسين الجودة الشاملة للنظم الزراعية.
تمتد استخدامات الزراعة العضوية إلى ما هو أبعد من الفوائد المباشرة لإنتاج منتجات الأطعمة العضوية. تساعد ممارسات الزراعة العضوية أيضاً في حماية البيئة والحفاظ عليها. ومن خلال تجنب استخدام المواد الكيميائية الاصطناعية والكائنات المعدلة وراثياً، يحمي المزارعون العضويون صحة التربة، ويحافظون على جودة المياه، وعلى التنوع البيولوجي. كما أن الزراعة العضوية تساهم في الحد من تلوث الهواء والماء، وكذلك الحفاظ على الموارد الطبيعية. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تدعم المجتمعات الريفية من خلال تعزيز سبل العيش المستدامة وتعزيز النظم الغذائية المحلية.
لقراءة المزيد،